السبت، 6 أكتوبر 2012

ساعة ونص.. ملحمة إنسانية بين محطتي الفقر والجنس





حول حادث قطار العياط الذي اشتعلت فيه النيران قبل سنوات يحكي فيلم ساعة ونص مجموعة من الحكايات الإنسانية التي تخص ركابه.

الفيلم بطولة كوكبة من النجوم هم رجاء الجداوي وأحمد الفيشاوي وفتحي عبد الوهاب وماجد الكدواني ويسرا اللوزي وإياد نصار و سمية الخشاب ومحمد رمضان وأحمد بدير ومحمد عادل إمام وكريمة مختار وهالة فاخر وأحمد عزم  وأحمد السعدني وأحمد فلوكس وأيتن عامر وناهد السباعي ومحمود البزاوي  وغيرهم ومن تأليف أحمد عبد الله وإخراج وائل إحسان.

ففي القطار يوجد العديد من الشخصيات فكريمة مختار تجسد شخصية الأم التي تبحث طوال الفيلم عن ابنها الذي تركها لأنها طلبت منه شراء دواء للسكري فهجرها تاركا معها ورقة يطلب فيها ممن يجدها أن يأخذها الى دار مسنين "وله الأجر والثواب".. أنه ابن تعيس وشبه أمي دخله محدود ولا يجد قوت يومه فيفر من مسؤوليات الأم .. وهي طوال الفيلم تبحث عنه في المحطة والقطار المتجه إلى الصعيد.

وتتقاطع الشخصية التي يجسدها النجم الأردني إياد نصار مع كريمة مختار فيحاول أن يساعدها ويصارحها بحقيقة ما  فعله ابنها ويعدها أن يعيدها إلى القاهرة ولكن هذا الجامعي المتميز المثقف والقارئ لمؤلفات ماركس والذي قاد مظاهرات الجامعة انتهى به عبث الحياة في بلد تسوده الوساطة والمحسوبية والتوريث إلى أن يتحول إلى بائع كتب رخيصة في القطار.. مع العلم أن الفيلم ملئ بأبناء الممثلين عادل إمام ومحمود عبد العزيز وفاروق فلوكس وصلاح السعدني وشقيقة وفاء عامر وحفيدة فريد شوقي وابنة محمود اللوزي..

 وهناك شخصية أحمد الفيشاوي الشاب المصري العائد من السويد والذي من الواضح أنه ينتمي لأسرة ثرية والذي قبض عليه لأنه قبل صديقته الأجنبية في الشارع واعترف بذلك وعندما يسأله رجل الشرطة لماذا اعترفت لماذا لم تنف ما قمت به؟ إن الصدق لا يقوله سوى الأنبياء أما نحن فنكذب فتساءل الفيشاوي  في دهشة ولماذا اكذب؟ ثم يردد في شرود "لقد عشت بعيدا عن مصر لفترة فنسيت الروتين والكذب".

وتتقاطع مع الشخصية التي يجسدها الفيشاوي شخصية رجل الشرطة ماجد الكدواني المليء بالأحزان والعقد والإحباطات والذي يسعى جاهدا لتزويج أخته العانس وعندما سأل الفيشاوي هل تمانع في الزواج بمصرية وعندما أجابه الأخير بالإيجاب فك قيده وعرض عليه شقيقته بشكل صريح تماما وطلب من الموجودين بالقطار أن يزغردوا فرحا في مشهد أثار ضحكات جمهور الفيلم.

أما سمية الخشاب فتجسد شخصية الزوجة اللعوب فهي زوجة أحمد بدير غفير السكة الحديدية وهي تحبه وتقول لعشيقها محمد إمام وهما على فراش الخيانة "لا تقارن نفسك به فلولا سنه والهموم التي تطحنه ما سمحت لك أن تلمسني" .. إنها إذن غريزة الأنثى القاهرة واحتياجاتها الطبيعية والتي لا يقدر الزوج على الوفاء بها التي تدفعها إلى أحضان البلطجي محمد إمام الذي يسرق قضبان السكك الحديدية.

ويتقاطع مع الشخصية التي تجسدها الخشاب شخصيتان أخريتان هما الزوج أحمد بدير المطحون المهموم بعجزه عن تزويج ابنته "فرغم انغماسه في العمل سنوات طوال فان الـ400 جنيه لم يزيدوا".. وشخصية العشيق محمد إمام الذي قتل الزوج عندما اكتشف الخيانة ولكنه يكشف عن بعد إنساني في هذه الشخصية الشريرة فهو يقسم لصديقه أحمد فلوكس وهما يتشاجران أنه لم يقصد أبدا أن يقتله ويحاول أن ينقذ ركاب القطار في مشهد مؤثر وهو يجري على القضبان وساقه تنزف ثم صدمه القطار فتنفس الجمهور الصعداء رغم أنه مات وهو يحاول أن يعمل الخير ولو مرة واحدة في حياته.

وهناك رموز الطبقة المتوسطة ممثلة في الأرملة سوسن بدر التي تنتظر أموال صندوق الزمالة وتقضي وقتها على النت وتتمحور اهتماماتها حول ذاتها غير مبالية بمشاكل ابنتها أيتن عامر التي يعاني زوجها من البطالة بعد تسريحه من العمل كما أنها تحتاج للمال لدراسة أولادها والأم أذن من طين وأخرى من عجين.

وذلك إضافة إلى الفتاة الريفية الطموحة الطيبة يسرا اللوزي التي تزوجت وهي في الثانوي وبفضل دعم وتشجيع زوجها فتحي عبد الوهاب أصبحت طبيبة وهي تسعى وراء منحة بالخارج وهو يرفض.

وهناك بائع الشاي أحمد السعدني الأرمل الذي يربي ابنه ويعيش على الهامش إلى أن يظهر كبطل في نهاية الفيلم.

فهذه الكوكبة من الشخصيات المتوازية والمتقاطعة يجمعها قطار الحياة فهناك الغني والمنتمي إلى الطبقة المتوسطة وأن كانت الغالبية الكاسحة من الفقراء المطحونين وجميعهم لهم ماضي وحاضر وأحلام مستقبلية انتهت مع كارثة القطار الذي انقلب نتيجة سرقة القضبان .. إنها سرقة ترقى إلى القتل ولكن الفيلم يحاول تبرئة المشاركين في هذا العمل من القتل فهم فقط يريدون القضبان وعندما وجدوا أن الغفير الذي ينقذ القطار بعد كل سرقة قد قتل حاولوا إنقاذ القطار بأنفسهم.

وتبدو الشخصية التي جسدتها كريمة مختار اقرب إلى مصر التي تبحث عن ابنها في قطار الحياة وقد غاب الانتماء عن هذا الابن لفقره فهجرها ولكنها وجدت ابنا أخر يساندها (إياد نصار) ولكنه لقي حتفه في الحادث ونجت كريمة مختار بفضل بطولة بائع الشاي أحمد السعدني المصري البسيط الذي لا يكاد يلحظه أحد ولكن في وقت المحن يظهر معدنه الأصيل والذي ضحى بحياته لإنقاذ إحدى عربات القطار وكان بها كريمة مختار.

وإذا كان الفيلم غنيا بالايجابيات مثل الإخراج المتميز والتصوير الممتاز والأداء الجيد لمجموعة النجوم إلا أنه يؤخذ عليه امتلاءه بأبناء النجوم فضلا عن احتواء السيناريو على ألفاظ جارحة ذات إيحاءات جنسية خاصة ما ارتبط منها بسمية الخشاب.

إن قطار الحياة يحمل المصريين جميعا أثرياء وطبقة متوسطة وفقراء وأبناء الحضر والريف ولكن الفقر المدقع الذي عاناه البعض ودفعهم لسرقة القضبان دفع ثمنه المصريون جميعا.. لقد كانت كارثة حقيقية أبكت الجميع دما.